فصل: كيف توزن الأعمال وهي أوصاف للعاملين؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية‏؟‏

‏(‏ 164‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته-‏:‏ كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ويدل على أنه مطالب قوله -تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أصحاب اليمين‏.‏ في جنات يتساءلون ‏.‏عن المجرمين ‏.‏ ما سلككم في سقر ‏.‏ قالوا لم نك من المصلين ‏.‏ ولم نك نطعم المسكين ‏.‏ وكنا نخوض مع الخائضين ‏.‏ وكنا نكذب بيوم الدين‏}‏ فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة ، وترك إطعام المساكين ما ذكروه ، لأن ذكره في هذه الحال لا فائدة منه وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام ، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر‏؟‏ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين‏}‏ فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قوله-تعالى- ‏:‏ ‏{‏قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة‏}‏ فإن قوله ‏:‏ ‏{‏قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا‏}‏ دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها في الدنيا‏.‏ أقول ‏:‏ ليس له حق شرعي ، أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله - سبحانه وتعالى- خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره، فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس ، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يحق لهذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلاً أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده ، وإذ تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله ، ولكن حساب الكافر يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول‏:‏له سبحانه وتعالى-‏:‏ ‏(‏قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم‏)‏ أما الكافر والعياذ بالله فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويخزى بها على رؤوس الأشهاد‏:‏ ‏{‏ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين‏}‏ ‏.‏

هل يوم الحساب يوم واحد‏؟‏

‏(‏ 165‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يوم الحساب يوم واحد‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏يوم الحساب يوم واحد ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة كما قال الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏سأل سائل بعذاب واقع ‏.‏ للكافرين ليس له دافع ‏.‏ من الله ذي المعارج ‏.‏ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‏}‏ أي إن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه ، وظهره ، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد‏)‏ وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين كما قال- تعالى -‏:‏ ‏{‏وكان يوماً على الكافرين عسيراً‏}‏ وقال -تعالى-‏:‏ ‏{‏فذلك يومئذ يوم عسير‏.‏ على الكافرين غير يسير‏}‏ ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك ، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله -تعالى - على المؤمن ، ويكون عسيراً على الكافر‏.‏ وأسأل الله - تعالى - أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن يسره الله عليهم يوم القيامة‏.‏

والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيه ‏:‏ ‏(‏هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون‏)‏ ‏.‏ ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم وأخذ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمق أو يحاول القياس بينها وبين الأمور في الدنيا ، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا ، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك ، لكن بينهما فرق عظيم ، وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله - سبحانه وتعالى - في الجنة من النخل ، والرمان ، والفاكهة ، ولحم الطير ، والعسل والماء واللبن ، والخمر وما أشبه ذلك مع قوله - عز وجل -‏:‏ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون‏}‏ ‏.‏ وقوله في الحديث القدسي ‏:‏ ‏(‏أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر‏)‏ فهذه الأسماء التي لها مسميات بها في هذه الدنيا لا تعني أن المسمى كالمسمى وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى ، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة ، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى وألا يحاول شيئاً وراء ذلك‏.‏

ولهذا لما سئل الإمام مالك - رحمه الله -عن قول الله تعالى - ‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ كيف استوى ‏؟‏ أطرق -رحمه الله-برأسه حتى علاه الرحضاء - أي العرق -وصار يتصبب عرقاً وذلك لعظم السؤال في نفسه ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه - رحمه الله -‏:‏ ‏"‏الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة‏"‏ أ هـ ‏.‏

فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة لأن الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير لم يسألوا النبي ، صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة وكفى بهم قدوة، وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجرى بالنسبة لصفات الله -عز وجل - التي وصف بها نفسه من العلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام وغير ذلك فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة إلى الله - عز وجل - لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان ، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها فكما أن الله - سبحانه وتعالى - لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته‏.‏

وخلاصة الجواب‏:‏ أن اليوم الآخر يوم واحد وأنه عسير على الكافرين ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه من أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا‏.‏

كيف نجمع بين قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأما من أوتي كتابه بشماله‏}‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏وأما من أوتي كتابه وراء ظهره‏}‏ ‏؟‏

‏(‏166‏)‏ سئل الشيخ ‏:‏ كيف نجمع بين قول الله - تعالى-‏:‏ ‏{‏وأما من أوتي كتابه بشماله‏}‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏وأما من أوتي كتابه وراء ظهره‏}‏ فأجاب قائلاً‏:‏ الجمع بينهما أن يقال‏:‏ يأخذه بشماله لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره ، والجزاء من جنس العمل فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره ، أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره جزاءً وفاقاً‏.‏

كيف نجمع بين القول القاضي بأن الذي يوزن يوم القيامة هو العمل وقول النبي صلى الله عليه وسلم، عندما انكشفت ساق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏والله إنها لأثقل في الميزان من جبل أحد‏)‏‏؟‏

‏(‏167‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ -جزاه الله خيراً - ‏:‏ كيف نجمع بين القول القاضي بأن الذي يوزن يوم القيامة هو العمل وقول النبي صلى الله عليه وسلم، عندما انكشفت ساق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏والله إنها لأثقل في الميزان من جبل أحد‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الجواب على هذا أن يقال ‏:‏ إما أن يكون هذا خاصاً بعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- ، أو يقال ‏:‏إن بعض الناس يوزن عمله وبعض الناس يوزن بدنه ، أو يقال‏:‏ إن الإنسان إذا وزن فإنما يثقل ويرجح بحسب عمله والله أعلم‏.‏

هل الميزان واحد أو متعدد‏؟‏

‏(‏ 168‏)‏ سئل الشيخ‏:‏ هل الميزان واحد أو متعدد‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ اختلف العلماء في الميزان هل هو واحد أو متعدد على قولين، وذلك لأن النصوص جاءت بالنسبة للميزان مرة بالإفراد، ومرة بالجمع مثال الجمع قوله -تعالى‏:‏ ‏{‏ونضع الموازين القسط‏}‏ وكذلك في قوله ‏:‏ ‏{‏فمن ثقلت موازينه‏}‏ ومثال الإفراد قوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان‏)‏ ‏.‏

فقال بعض العلماء ‏:‏ إن الميزان واحد وإنه جمع باعتبار الموزون ، أو باعتبار الأمم ، فهذا الميزان توزن به أعمال أمة محمد ، وأعمال أمة موسى ، وأعمال أمة عيسى ، وهكذا فجمع الميزان باعتبار تعدد الأمم‏.‏ والذين قالوا‏:‏إنه متعدد بذاته قالوا‏:‏ لأن هذا هو الأصل في التعدد ، ومن الجائز أن الله -تعالى- يجعل لكل أمة ميزاناً، أو يجعل للفرائض ميزاناً، وللنوافل ميزاناً‏.‏

والذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد ، لكنه متعدد باعتبار الموزون‏.‏

كيف توزن الأعمال وهي أوصاف للعاملين‏؟‏

‏(‏ 169‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ كيف توزن الأعمال وهي أوصاف للعاملين‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏القاعدة في ذلك كما أسلفنا أن علينا أن نسلم ونقبل ولا حاجة لأن نقول‏:‏كيف‏؟‏ ولم‏؟‏ ومع ذلك فإن العلماء رحمهم الله قالوا في جواب هذا السؤال ‏:‏ إن الأعمال تقلب أعياناً فيكون لها جسم يوضع في الكفة فيرجح أو يخف ، وضربوا لذلك مثلاً بما صح به الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أن الموت يجعل يوم القيامة على صورة كبش فينادى أهل الجنة ، يا أهل الجنة فيطلعون ويشرئبون ‏.‏ وينادى يا أهل النار فيطلعون ويشرئبون ما الذي حدث ‏؟‏ فيؤتي بالموت على صورة كبش فيقال ‏:‏ هل تعرفون هذا فيقولون‏:‏ نعم هذا الموت فيذبح الموت بين الجنة والنار فيقال‏:‏ يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت‏)‏ ‏.‏ ونحن نعلم جميعاً أن الموت صفة ولكن الله -تعالى -يجعله عيناً قائماً بنفسه وهكذا الأعمال تجعل أعياناً فتوزن والله أعلم‏.‏

ما هي الشفاعة ‏؟‏ وما أقسامها‏؟‏

‏(‏ 170‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن الشفاعة ‏؟‏ وأقسامها‏؟‏

فأجاب‏:‏ الشفاعة‏:‏ مأخوذة من الشفع ، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين ، والثلاثة أربعة ، وهكذا هذا من حيث اللغة‏.‏

أما في الاصطلاح ‏:‏ فهي ‏"‏التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة‏"‏ يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له ، أو يدفع عنه مضرة‏.‏

والشفاعة نوعان‏:‏

النوع الأول‏:‏ شفاعة ثابتة صحيحة ، وهي التي أثبتها الله - تعالى - في كتابه ، أو أثبتها رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص ؛ لأن أبا هريرة -رضي الله عنه - قال‏:‏ يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك‏؟‏ قال ‏:‏ ‏(‏من قال ‏:‏ لا إله إلا الله خالصاً من قلبه‏)‏ ‏.‏

وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة‏:‏

الشرط الأول‏:‏ رضا الله عن الشافع‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ رضا الله عن المشفوع له‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ إذن الله-تعالى للشافع أن يشفع‏.‏

وهذه الشروط مجملة في قوله تعالى-‏:‏ ‏{‏وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى‏}‏ ومفصلة في قوله‏:‏ ‏{‏من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً‏}‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولا يشفعون إلا لمن ارتضى‏}‏‏.‏ فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة‏.‏

ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى - أنها تنقسم إلى قسمين‏:‏

القسم الأول‏:‏ الشفاعة العامة ، ومعنى العموم أن الله -سبحانه وتعالى - يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم ، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولغيره من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار‏.‏

القسم الثاني‏:‏ الشفاعة الخاصة ‏:‏ التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله - عز وجل - أن يريحهم من هذا الموقف العظيم فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله -عز وجل- أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ، فيجيب الله - تعالى - دعاءه ، ويقبل شفاعته ، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله - تعالى - به في قوله ‏:‏‏{‏ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً‏}

ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها ، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله - عز وجل - فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله - تعالى ‏:‏ ‏{‏فما تنفعهم شفاعة الشافعين‏}‏ وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم ؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله - عز وجل - والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد ، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقولون ‏:‏ ‏{‏هؤلاء شفعاؤنا عند الله‏}‏ تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله - تعالى- إلا بعداً على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام ، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله - تعالى -بما لا يزيدهم منه إلا بعداً‏.‏

ما معنى ما ورد في الحديث أن الله عز وجل قبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط‏؟‏

‏(‏171‏)‏ وسئل -حفظه الله عن ‏:‏ قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يقول الله - تعالى-‏:‏ شفعت الملائكة وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط‏)‏ ‏.‏ رواه مسلم ، ما معنى قوله ‏:‏ ‏(‏لم يعملوا خيراً قط‏)‏ ‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ معنى قوله ‏:‏ ‏(‏لم يعملوا خيراً قط‏)‏ أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة ، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم ، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط ‏.‏

وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله ، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط‏.‏

وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لا بد أن يعمل كالصلاة فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار‏.‏

ما هو مصير أهل الفترة‏؟‏

‏(‏ 172‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن مصير أهل الفترة‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ الصحيح أن أهل الفترة قسمان ‏:‏

القسم الأول ‏:‏ من قامت عليه الحجة وعرف الحق ، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه ، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار‏.‏

القسم الثاني‏:‏ من لم تقم عليه الحجة فإن أمره لله - عز وجل - ‏.‏ ولا نعلم عن مصيره وهذا ما لم ينص الشرع عليه ‏.‏ أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار‏.‏

ما مصير أطفال المؤمنين ، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً ‏؟‏

‏(‏ 173‏)‏ وسئل ‏:‏ عن مصير أطفال المؤمنين ، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً ‏؟‏

فأجاب فضيلته قائلاً‏:‏مصير أطفال المؤمنين الجنة،لأنهم تبع لآبائهم قال - تعالى- ‏:‏ ‏{‏والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين‏}

وأما أطفال غير المؤمنين يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين فأصح الأقوال فيهم أن نقول الله أعلم بما كانوا عاملين فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم ،أما في أحكام الآخرة فإن الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم بمصيرهم هذا ما نقوله ، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا وأحكامهم في الدنيا - أعني أولاد المشركين - أحكامهم في الدنيا أنهم كالمشركين لا يغسلون، ولا يكفنون ، ولا يصلى عليهم ، ولا يدفنون في مقابر المسلمين ‏.‏ والله أعلم‏.‏

إذا كانت الجنة عرضها كعرض السموات والأرض فأين تكون النار‏؟‏

‏(‏ 174‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ إذا كانت الجنة عرضها كعرض السموات والأرض فأين تكون النار في هذا الكون الذي ليس فيه إلا السموات والأرض‏؟‏

فقال حفظه الله تعالى ‏:‏ قبل الجواب على هذا يجب أن نقدم مقدمة وهي أن ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه حق ولا يمكن أن يخالف الأمر الواقع ، فإن الأمر الواقع المحسوس لا يمكن إنكاره ، ومادل عليه الكتاب والسنة فإنه حق لا يمكن إنكاره ، ولا يمكن تعارض حقين على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وقد ثبت في القرآن أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض‏}‏‏.‏ وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏عرضها السموات والأرض‏}‏‏.‏ وهذا حق بلا ريب ، وفي مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال‏:‏ إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار‏؟‏ فقال ‏:‏ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا جاء الليل فأين يكون النهار‏)‏ فإن صح هذا الحديث فوجهه أن السموات والأرض في مكانهما والجنة في مكانها في أعلى عليين كما أن النهار في مكان والليل في مكان ، وإن لم يصح الحديث فإن في كون الجنة عرضها السموات والأرض لا يعني أنها قد ملأتهما ولكن يعني أن الجنة عظيمة السعة عرضها كعرض السموات والأرض‏.‏

ثم إن قول السائل ‏:‏ ‏"‏إن هذا الكون ليس فيه إلا السموات والأرض‏"‏ ليس بصحيح فهذا الكون فيه السموات والأرض ، وفيه الكرسي والعرش وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول بعد رفعه من ركوعه ‏:‏ ‏(‏ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد‏)‏ فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله، كذلك نحن نعلم منه ما علمنا الله-تعالى - مثل العرش والكرسي ، والعرش هو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى - قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته‏.‏

فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله، كذلك نحن نعلم منه ما علمنا الله تعالى - مثل العرش والكرسي ، والعرش هو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى - قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته‏.‏

ما الجنة التي أسكنها الله - عز وجل - آدم وزوجه‏؟‏

‏(‏ 175‏)‏ وسئل‏:‏ ما الجنة التي أسكنها الله - عز وجل - آدم وزوجه‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الصواب أن الجنة التي أسكنها الله- تعالى - آدم وزوجه هي الجنة التي وعد المتقون لأن الله - تعالى - يقول لآدم ‏:‏ ‏{‏اسكن أنت وزوجك الجنة‏}‏ والجنة عند الإطلاق هي جنة الخلد التي في السماء ، ولهذا ثبت في الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن آدم وموسى تحاجا فقال له موسى ‏:‏ ‏(‏لم أخرجتنا ونفسك من الجنة‏؟‏‏)‏ ‏.‏ والله أعلم‏.‏

ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما للنساء‏؟‏

‏(‏ 176‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما للنساء‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ يقول الله - تبارك وتعالى - في نعيم أهل الجنة ‏:‏ ‏{‏ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ‏.‏ نزلاً من غفور رحيم‏}‏ ويقول - تعالى - ‏:‏ ‏{‏وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون‏}

ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً ، فالمرأة يزوجها الله - تبارك وتعالى - في الجنة بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا كما قال الله - تبارك وتعالى - ‏:‏ ‏{‏ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ ‏.‏

إذا كانت المرأة من أهل الجنة ولم تتزوج في الدنيا أو تزوجت ولم يدخل زوجها الجنة فمن يكون لها‏؟‏

‏(‏177‏)‏وسئل - رعاه الله بمنه وكرمه -‏:‏ إذا كانت المرأة من أهل الجنة ولم تتزوج في الدنيا أو تزوجت ولم يدخل زوجها الجنة فمن يكون لها‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الجواب يؤخذ من عموم قوله - تعالى ‏:‏ ‏{‏ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ‏.‏ نزلاً من غفور رحيم‏}‏ ومن قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الاعين وأنتم فيها خالدون‏}‏ فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال وهم ـ أعني من لم يتزوجوا من الرجال - لهم زوجات من الحور ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاؤوا واشتهت ذلك أنفسهم ، وكذلك نقول بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج ، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكنه لم يدخل معها الجنة ‏:‏ إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه لعموم هذه الآيات‏.‏

ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة والعلم عند الله -تعالى-‏.‏

إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فمع من تكون منهما‏؟‏ ولماذا ذكر الله الزوجات للرجال ولم يذكر الأزواج للنساء‏؟‏

‏(‏ 178‏)‏ وسئل فضيلته‏:‏ إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فمع من تكون منهما‏؟‏ ولماذا ذكر الله الزوجات للرجال ولم يذكر الأزواج للنساء‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله - تعالى - يزوجها ما تقر به عينها في الجنة ، فالنعيم في الجنة ليس مقصوراً على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم الزواج‏.‏

وقول السائل ‏:‏ ‏"‏إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات ولم يذكر للنساء أزواجاً‏"‏ ‏.‏

فنقول‏:‏ إنما ذكر الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج بل لهن أزواج من بني آدم‏.‏

‏(‏ 179‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ كيف رأى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار ليلة الإسراء والمعراج مع أن الساعة لم تقم بعد‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أخبرنا بذلك وأنه رأى الجنة والنار ، ورأى أقواماً يعذبون وأقواماً ينعمون ، والله أعلم بكيفية ذلك لأن أمور الغيب لا يدركها الحس فمثل هذه الأمور إذا جاءت يجب علينا أن نؤمن بها كما جاءت وأن لا نتعرض لطلب الكيفية ‏.‏

ولم ‏؟‏ لأن عقولنا أقصر وأدنى من أن تدرك هذا الأمر فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور لا يمكن إدراكها بالعقل ، أخبر ، صلى الله عليه وسلم ، بأن الله عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة ومعلوم الآن أن ثلث الليل يدور على الكرة الأرضية فإذا انتقل من جهة حل في جهة أخرى فقد تقول ‏:‏ كيف ذلك ‏؟‏ فنقول عليك أن تؤمن بما أخبرك به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا تقل ‏:‏ كيف ‏؟‏ لأن عقلك أدنى وأقصر من أن يحيط بمثل هذه الأمور الغيبية فعلينا أن نستسلم ولا نقول ‏:‏ كيف‏؟‏ ولم‏؟‏ ولهذا قال بعض العلماء كلمة نافعة قال‏:‏ ‏"‏قل ‏:‏ بم أمر الله ‏؟‏ ولا تقل ‏:‏ لم أمر الله‏؟‏‏"‏ والله ولي التوفيق‏.‏

هل الجنة والنار موجودتان الآن‏؟‏

‏(‏180‏)‏ سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته- ‏:‏ هل الجنة والنار موجودتان الآن‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ نعم الجنة والنار موجودتان الآن ودليل ذلك من الكتاب والسنة‏.‏

أما الكتاب فقال الله - تعالى - في النار ‏:‏ ‏{‏واتقوا النار التي أعدت للكافرين‏}‏ والإعداد بمعنى التهيئة ، وفي الجنة قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين‏}‏ والإعداد أيضاً التهيئة‏.‏

وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة كسوف الشمس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قام يصلي ، فعرضت عليه الجنة والنار، وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقوداً ، ثم بدا له أن لا يفعل عليه الصلاة والسلام، وشاهد النار، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار -والعياذ بالله - يعني أمعاءه قد اندلقت من بطنه فهو يجرها في النار ؛ لأن الرجل أول من أدخل الشرك على العرب، فكان له كفل من العذاب الذي يصيب من بعده، ورأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ، فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن‏.‏

هل النار مؤبدة أو تفنى‏؟‏

‏(‏ 181‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ هل النار مؤبدة أو تفنى‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ المتعين قطعاً أنها مؤبدة ولا يكاد يعرف عند السلف سوى هذا القول ، ولهذا جعله العلماء من عقائدهم، بأن نؤمن ونعتقد بأن النار مؤبدة أبد الآبدين ، وهذا الأمر لا شك فيه ؛ لأن الله -تعالى- ذكر التأبيد في ثلاثة مواضع من القرآن‏:‏

الأول‏:‏ في سورة النساء في قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً ‏.‏ إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدًا‏}‏‏.‏

والثاني‏:‏في سورة الأحزاب ‏{‏إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً ‏.‏ خالدين فيها أبدًا‏}‏ ‏.‏

والثالث‏:‏ في سورة الجن ‏{‏ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدًا‏}‏‏.‏ ولو ذكر الله عز وجل التأبيد في موضع واحد لكفى ، فكيف وهو قد ذكره في ثلاثة مواضع ‏؟‏ ومن العجب أن فئة قليلة من العلماء ذهبوا إلى أنها تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا‏:‏ إن ‏"‏خالدين فيها أبداً ‏"‏ ما دامت موجودة فكيف هذا ‏؟‏

إذا كانوا خالدين فيها أبداً ، لزم أن تكون هي مؤبدة ‏"‏فيها‏"‏ هم كائنون فيها وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليده ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ؛ لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود ، والآية واضحة جداً والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها ، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده ، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله ، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه‏.‏

والحكمة تقتضي ذلك لأن هذا الكافر أفنى عمره كل عمره في محاربة الله عز وجل ومعصية الله والكفر به وتكذيب رسله مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق ، ودعي إليه ، وقوتل عليه وأصر على الكفر والباطل فكيف نقول ‏:‏ إن هذا لا يؤبد عذابه ‏؟‏ والآيات في هذا صريحة كما تقدم‏.‏